السيد رئيس الجمهورية
أجد نفسي مجبرا للتوجه لكم علنا باعتبار استحالة وسائل التواصل المباشرة منذ آخر لقاء معكم بعد انتخابات 2019، لمّا كنتم تلتقون الأحزاب ولا تعتبرونها ،كما هو الحال راهنا، رمزا للشرور كلّها
شعب إيران، أو بالأحرى شعوبه، لا مشكلة لنا معه. النظام السياسي موضوع آخر. ولكن هذا يهم الشعب الإيراني ولا يهمّنا. كما أننا لا ندعو لقطع العلاقات مع إيران أو اعتبارها دولة معادية. نتجدث عن تصحيح واقع أو انطباع
رغم ذلك، ففي ما يخصّ اختياراتنا منذ البداية بعد الثورة وقبلها، نحن لا نؤمن بالدولة الدينية لذلك نصت دساتيرنا، بما فيهم الدستور الأخير، أنّ دولتنا مدنية، وأنتم بنفسكم قلتم أكثر من مرّة أنّه لا يوجدُ معنى في تعبير الدولة الإسلاميّة، أو في ما يشابهه من تعبير كمَثَل أنّ الدولة لها دين. فالدين هو لأفراد الأمة باعتبارهم مؤمنين لا للدولة باعتبارها كيان قانوني معنوي
من هذا المنظور فنحن في خلاف مع مقومات النظام الإيراني الحالي
وفي ما يخص قضية فلسطين، فإن موقف تونس كان دائما صادقا وتاريخيا ولا يحتاج سندا خارجيا من أيّ كان، خاصّة لأنّه لم يكن خدمة لمصلحة ذاتية على حساب الفلسطينيين ذاتهم
كما أننا مثل كل شمال إفريقيا المغاربي، في أغلبنا، سنّيون، متجانسون
ورغم أهميّة هذا المحور فهو ليس موضوع رسالتنا لكم
مهما كان الموقف من إيران ونظامها فإن بوصلة من هو مؤتمنٌ على قرار الدولة التونسية الخارجي تبقى مصلحة تونس أوّلا وآخرًا
العلاقات الخارجية لدولة ما لا تستند للموقف الأيديولوجي أو الشخصي لمن يحكمها، بل على قراءة دقيقة لموازين القوى الدولي وبتحديد أدقّ لمصلحة تلك الدولة وفي حالتنا مصلحة تونس فقط
قد تكون القرارات مؤلمة. ولكنّ الدليل لمن يقود دولة ليست المشاعر ولا القناعات فقط ولا الإحساس بالألم أو السعادة. بل الوعي البارد بمصلحة الدولة. فالدولة لها وعي خاص ومنطق خصوصي
لهذا فإنّني أوجّه لكم الدعوة، بدون أيّ دافع لتحقيق مصلحة سياسية أو تسجيل موقف، للنّأي بتونس وشعبها عن أتّون الصراعات الدولية الرهيبة في المنطقة والعالم والتي تأخذ فيها إيران موقعا يخصّها وتبحث عن مصالح وأهداف لا ينبغي أن نكون في علاقة بها، ظاهرا أو باطنا. ولا ينفعنا أن نخلق الانطباع بالتنسيق معها، إذا لم يكن هذا الانطباع واقعا
لننظر حولنا. حتى الدول الشقيقة الجارة الأقوى منّا ثروة وقوّة عسكرية، تناور وتبحث عن موقع مختلف في ظلّ متغيرات دولية سريعة. وكذلك يجب أن يفعل منطق الدولة الحيّ الذي يتفاعل مع ما يحصل حوله
لا تُساس العلاقات الخارجية بالصياح والشتم والجمل البيانية المتينة، بل بالتحليل الموضوعي والاستباق والرؤية بعيدة المدى
لهذا ونحن نرجو لإيران وشعبها كل الخير والسلامة، فمن مصلحتنا قطع كلّ ما من شأنه أن يدفعنا كدولة وأمّة في مجاهل المجهول
أعرفُ، أن جنود الظلام، الذين يعملون باسمكم على القضاء على كلّ رأي حرّ، سيتجنّدون لتبخيس هذه السطور، ولكنّني رغم ذلك أكتُب لكم. لا من منطلق السياسية بل بمنطلق العَلَم
فذات يوم، مثلي مثل عدد لا يحصى من التونسيين، لبستُ الزي العسكري وأديّتُ التحية للعلم، وكان إلى جانبي وقتها الشهيد شكري بلعيد، وغيره ومنهم من هم الان أنصارك. ورغم أنّنا كنّا معتقلين وقتها ولكنّنا رفعنا رؤوسنا لشرف العلم والزيّ ولم نحد عنه منذ ذلك الوقت أبدًا
هذا في الشأن الخارجي، أمّا الشأن الداخلي فالموقف من قضايا الحريات والمظالم والإقتصاد والإصلاحات ومستوى معيشة الناس هو ذاته
وسلاما على من اتّبع مصلحة تونس وأمّتها
بقلم محسن مرزوق