نتذكر فيه شهداء الوطن ونُعلي قيمة التضحية من أجل عزته
إنّ ما نحييه سنويّا في « عيد الشهداء » هو احياء ذكرى كل شهداء تونس الذين سقطوا برصاص الاستعمار او الذين استشهدوا لاحقا من اجل الحرية و الكرامة للشعب التونسي وقد اختير مع استقلال البلاد تاريخ 9 أفريل 1938 لأهمية ذاك اليوم الذي مثل نقلة تحوّل في تاريخ المقاومة الوطنية للمحتل
لإن وقعت احداث 9 افريل في مدينة تونس بالخصوص فانّه في الحقيقة إنّ تلك الأحداث ماهي إلاّ وقائع بارزة في سلسلة من التظاهرات والمصادمات ذات الطابع الاجتماعي والوطني سبقتها (أحداث مناجم المتلوي وأم العرائس والجريصة سنة 1937 أو أحداث 8 جانفي 1938 ببنزرت حيث قتل في الأولى 23 عاملا وفي الثانية 6 تونسيّين برصاص القوات الإستعماريّة) وكانت التحركات قد شملت كل جهات البلاد تقريبا معبّرة على حالة من الاحتقان السياسي وخيبة الأمال في السياسة الفرنسية آنذاك كان دينامُو التعبئة والتنظيم فيها الجناح الراديكالي في الحركة الوطنية أي الحزب الحر الدستوري الجديد
وقعت إذاً أحداث 9 أفريل في ظرف اجتماعي متأزم خصائصه تدهور الحالة المعيشية من غلاء للأسعار واستفحال البطالة ومظاهر البؤس الاجتماعي من بطالة ونزوح وتفقير للأرياف وتضرّر أهلها نتيجة الآفات الطبيعية أو تدهور الأسعار للمواد الفلاحية المصدرة وكثرة الديون وارتهان الممتلكات وفي واقع سياسي سماته خيبة الأمل في حكومة الجبهة الشعبية وتصلّب الاستعمار الفرنسي وتعامله بمنطق القوّة مع الوطنيّين وخاصة الحزب الحرّ الدستوري الجديد الذي أقحم الجماهير الشعبية في نضاله وعبّأها للصّدام على وقع اعتقالات مناضليه والمصادمات مع الاستعمار حيث دعا مجلسه الملّي في مارس ( 13 -14) 1938 لتكثيف المظاهرات في جميع أنحاء البلاد والامتناع عن دفع الضّرائب وأداء الخدمة العسكرية وتحدّي منع حمل الشّارات الوطنيّة ورفع العلم الوطني ولم تزد حملة الاعتقالات في صفّه إلا تحفيزا للمصادمة. إذ شنت حملة إيقافات ضد عناصره القياديّة النشطة بتهمة « التحريض على التباغض بين الأجناس وتحريض السكان على العصيان » حيث تمّ في بداية أفريل 1938 إيقاف عشرين من قادة الحزب منهم صالح بن يوسف و سليمان بن سليمان و يوسف الرويسي و الهادي نويرة والحبيب بوقطفة . فكان قرار الإضراب العام والمظاهرات يوم 8 أفريل 1938 وتمّ ذلك فعلا بالعاصمة وفي عديد الجهات ، وما لم يكن مقرّرا هو حدوث صدام يوم السبت 9 افريل 1938 عندما أوقف زعيم الشباب الأستاذ بالصادقيّة علي البلهوان للتحقيق معه وتحوّلت ساحات مدينة تونس وأنهجها إلى مسارح تصادم وتقاتل بين المتظاهرين من جهة وقوات الأمن والجندرمة والبوليس من جهة أخرى فاستشهد في ذلك اليوم 22 تونسيّا وحصلت أضرار مادية كبيرة (حرق وتحطيم الترامواي والسيارات وتهشيم واجهات المغازات …) فتمّ إعلان حالة الطوارئ بالعاصمة مساء 9 أفريل لتشمل مناطق أخرى في ما بعد وحوّلت مصالح الأمن للسلطة العسكرية (الجنرال هانوت) وكثفت الاعتقالات والمحاكمات (اعتقال الزعيم بورقيبة في 10 أفريل) التي استهدفت أكثر من 900 شخص حولوا للسجون و المحتشدات ووقع منع الحزب الحر الدستوري الجديد بقرار وزاري في 12 أفريل1938
الأستاذ عميره عليّه الصغيّر
نبذة من خطاب زعيم الشباب علي البلهوان في مظاهرة 8 افريل
جئنا في هذا اليوم لإظهار قوانا – قوة الشباب الجبارة التي ستهدم هياكل الاستعمار الغاشم وتنتصر عليه، جئنا في هذا اليوم لإظهار قوانا أمام هذا العاجز مشيرا الى المقيم العام غيون .يا أيها الذين آمنوا بالقضية التونسية، يا أيها الذين آمنوا بالبرلمان التونسي، ان البرلمان التونسي لا ينبني الا على جماجم العباد، ولا يقام الا على سواعد الشباب! جاهدوا في الله حق جهاده، اذا اعترضكم الجيش الفرنسي أو الجندرمة شرّدوهم في الفيافي والصحاري وافعلوا بهم ما شئتم، وأنتم الوطنيّون الدائمون في بلادكم وهم الدخلاء عليكم! بالله قولوا حكومة خرقاء سياستها خرقاء وقوانينها خرقاء يجب أن تحطّم وأن تداس، وها نحن حطّمناها ومزّقناها، فالحكومة قد منعت وحجّرت رفع العلم التونسي، وها نحن نرفعه في هذه الساحة رغما عنها! والحكومة منعت التظاهر وها نحن نتظاهر ونملأ الشوارع بجماهير بشريّة نساء ورجالا وأطفالا تملأ الجوّ هتافا وحماسا
( علي البلهوان 1909-1958)