الفتنة نائمة… لا توقظوها !!! (3)

لقد أثار مسلسل « الفتنة » قضيّة الميراث كما قلنا سابقا. و بالأهميّة نفسها أثار فتنة الحبّ و العشق و الغرام. و الحبّ، أعزّكم اللّه، في كلّ الشرائع البشريّة حُبّان حبّ حلال و حبّ حرام. و عصا الدّين و الأخلاق في المجتمعات العربيّة الإسلاميّة عصا غليظة في وجوه العاشقين المارقين تتوعدهم بعذاب الدّنيا و الآخرة و تسلّط عليهم شريعة درء المفاسد فتحمّل المرأة مسؤوليّة إثارة الفتنة و تحمّل الرجل مسؤوليّة الوقوع في الفتنة و تأمر بالفصل ما بين الذكر و الأنثى كالفصل ما بين الزيت و النّار. و على هذا الإيقاع يعزف شيوخنا الأفاضل في المساجد و المواعظ على مرّ الزمان و لا تغرنّك فذلكة الوالد يسأله الناس : هل هذا الولد ابنك؟ فيجيب هازئا : كانْ صدقتْ أمّه

و لم نر الإنسان شاكيا من قانون من قوانين السّماء كما رأيناه شاكيا من شريعة الحبّ و الغرام. بل لقد كان الإنسان المسلم مجادلا خالقه في قسوته عليه. و لم ينطق المسلم بشكواه في المساجد، حاشا للّه، و لكنّه نطق بها في شعره و نطق بها في أدبه و حكاياته و نوادره و ألف ليلة و ليلة من لياليه. و كان مسلسل « الفتنة » ناشرا لقضيّة الغرام غير الحلال في بطل أوّل يترنّح قلبه بين حبّين و بطل ثان واقع في الخطيئة وقوع المنجل في القلّة

لم يشرّع مسلسل « الفتنة » لخطيئة العشق الحرام و أنّى له ذلك و لو فعل لشنّع المجتمع به بل إنّ المسلسل قد هوّن من خطيئة العشق فلم تكن صاحبته تريد له أن يتمادى في الحرام و كانت تريد له نهاية حلالا تنتهي بطلاق حلال و زواج حلال على سنّة الله و رسوله ثمّ إنّ أحداث المسلسل قد بالغت في بيان مآسي العشق الحرام الوخيمة على وحدة الأسرة 

لم يكن مسلسل « الفتنة » قادرا على التشريع للعشق الحرام لأنّ المجتمع لن يسايره فيه و لذلك كانت العاشقة امرأة غير متوازنة و كان العاشق رجلا مسكينا نادما و كان يمكن لهذا العشق الحرام أن يمرّ بسلام و لكنّ المسلسل عظّم فيه مصيبة الحبّ خارج شرع الله و المجتمع و بهذه الخاتمة يضمن المسلسل لنفسه سلامة اجتماعيّة و نقديّة و ماليّة

و لكنّ المساحة العريضة التّي أولاها المسلسل للعشق الحرام و توفير المناخ المريح لانتصابه و استقراره يجعل المتفرّج ينتابه الشعور بأنّ هذه الظاهرة قد بدت اليوم في بلادنا و كأنّها ظاهرة عاديّة و أكسسوار من أكسسوارات الحياة المدنيّة المعاصرة و لعلّ المسلسل، وهو ينعى هذه الظاهرة في ظاهره، يدعو المتفرّج إلى وقفة تأمّل في شأنها تتخطّى ردّ الفعل الزاجر إلى ردّ الفعل الفاحص و المعالج على النحو الذي يسلكه الغرب اليوم في رفع سمة الحرام عن الحبّ و عن العشق و اعتباره الحبّ شعورا نبيلا من حقّه أن يدوم إن شاء و من حقّه أن يتبدّل إن شاء فإن تبدّل فليس من حقّه أن يكون متكتّما و ليس من حقّه أن يسيء إلى غيره و إلى الأسرة و صغارها و مصالحها في دعوة إلى تشريعات جديدة و مؤسّسات جديدة غريبة عنّا ضامنة للتوازن المجتمعي المتحرّك بتحرّك الإنسان الغربي

و نحن اليوم و رغم انخراطنا في المدنية نسأل السلامة من هذه الآفة و نكتفي منها بإقرار الشاعر بزئبقيّة الحبّ قال 

علقتها عرضا و علقت رجلا غيري \\ و علق أخرى غيرها الرّجل

و نكتفي منها باستعطاف الخالق و لطفه بخلقه على قول الآخر 

خلقتَ الجمالَ لنا فتنةً \\ و قلت عبادي ألا فاتّقون
و أنت جميل تحبّ الجمال \\ فكيف عبادك لا يعشقون

الهادي جطلاوي