تعيش بلادنا منذ أسابيع على وقع المسار الانتخابي المفضي للانتخابات الرئاسية ليوم 6 أكتوبر القادم والتي لم يعلن رسميا عن تنظيمها إلا بصدور الأمر المتعلق بدعوة الناخبين بتاريخ 2 جويلية الفارط قبيل انقضاء الأجل الأقصى لإصداره، مما عزز الغموض حول مدى رغبة رئيس الجمهورية في الوفاء لهذا الاستحقاق وضيّع على المجتمع التونسي وقواه الحية وقتا طويلا كان من الأجدر أن يشهد نقاشا عاما حول شروط انجاز انتخابات ديمقراطية وتعددية ونزيهة وآليات توفيرها
ورغم ذلك، واصلت السلطة القائمة تنفيذ مسار انتخابي على قياسها دون أي اعتبار لمواقف أغلب المتابعين والمعنيين بالعملية الانتخابية من أحزاب وحساسيات سياسية ومنظمات المجتمع المدني وخبراء ودون احترام المعايير الدولية للانتخابات. حيث طالما نبهت مختلف تلك القوى، ومن بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، إلى أن هذه الانتخابات تأتي في ظل أزمة شاملة تعيشها البلاد وفي وضع تفاقم فيه فقدان التونسيات والتونسيين للثقة في المستقبل والأمل في حياة كريمة وظروف عيش أفضل بما يحد بشكل صارخ من ممارسة المواطنات والمواطنين لحقهم في المشاركة السياسية وإدارة الشأن العام وحرية الاختيار ويضع نزاهة الانتخابات وديمقراطيتها ومدى تعبيرها عن الإرادة الشعبية محل التساؤل
ويتسم هذا الوضع خاصة بـ
• مناخ سياسي لا يسمح بانتخابات ديمقراطية وتعددية يتسم خاصة بـ
– إرساء حكم فردي تتغول فيه رئاسة الدولة على بقية المؤسسات، وتخضع فيه السلطة التنفيذية بقية السلط والمؤسسات المستقلة والتعديلية، ويهمش دور الهياكل التمثيلية والأجسام الوسيطة، ويتم تصحير الحياة السياسية عبر شيطنة الأحزاب والعمل السياسي
– اخضاع القضاء وتحويله إلى عصا بيد السلطة القائمة لضرب معارضيها وخصومها باستعمال ترسانة من القوانين والمراسيم القمعية وعلى رأسها المرسوم 54 لسنة 2022
– تصاعد أشكال التضييق على الحريات وانتهاكات حقوق الانسان، حيث تكثفت شتى الملاحقات ضد النشطاء السياسيين والمدنيين المعارضين والصحفيين المستقلين في قضايا غابت فيها أبسط شروط المحاكمة العادلة وتم خلالها الدوس على حقوقهم الأساسية ورافقتها في أغلب الأحيان حملات التخوين والتحريض ضد كل نفس معارض أو ناقد
– تصاعد التضييق على حرية التعبير والصحافة والإعلام، وتواصل وضع يد السلطة على المؤسسات الإعلامية العمومية والسعي إلى اخضاع بقية المؤسسات والمنابر الإعلامية من أجل طمس التنوع في المشهد الإعلامي وتحويلها إلى بوق دعاية
–
• مناخ اقتصادي واجتماعي أدى إلى فقدان التونسيات والتونسيين الثقة في المستقبل وعزوفهم عن الحياة السياسية والمشاركة في الشأن العام ، يتسم بتفاقم معاناة المواطنات والمواطنين من الأزمة الاقتصادية الحادة ووصولها إلى مراحل غير مسبوقة من ارتفاع جنوني للأسعار وفقدان للمواد الحياتية وتدهور للخدمات العمومية الأساسية من ماء وكهرباء وصحة ونقل، وسط غياب لأي سياسة واضحة وعقلانية لمعالجة هذه الأوضاع وإصرار السلطة على تعليقها على شماعة مؤامرات وهمية يحيكها مناوئون وهميون وذلك للتفصّي من المسؤولية في ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب من جهة واستعمال الأزمة للتحريض على المعارضين من جهة أخرى
• مسار انتخابي لا يؤسس، قانونا وممارسة، لانتخابات نزيهة وشفافة
– من خلال ما جاء بدستور 2022 والنصوص القانونية والتراتيب التي تلته من شروط إضافية تحد من حرية الترشح، مثل ترفيعها في سن الترشح من 35 إلى 40 سنة ، ومنع التونسيين مزدوجي الجنسية من ذلك ، كاعتماد تقديم المترشح للبطاقة عدد 3 كشرط أساسي للترشح (رغم إسقاط المحكمة الإدارية لهذا الشرط بمناسبة انتخابات 2014 و كذلك في احكامها الابتدائية الصادرة في أوت 2024
.
– إضعاف المؤسسات الرقابية الضامنة لنزاهة الانتخابات وشفافيتها: وتمثل إجراءات الإخضاع شبه التام للهيئة العليا المستقلة للانتخابات أبرز دليل على ذلك من خلال تعين رئيس الجمهورية بنفسه لرئيسها و بعض أعضائها . ويُقدّر المتابعون للشأن العام أن ما أضافته هذه الهيئة من شروط تفصيلية وردت في قراراتها الترتيبية وتعقيدا للإجراءات من خلال المطالبة ببطاقة السوابق العدلية وإعلان الهيئة سلطتها وولايتها العامة على رقابة الشأن الانتخابي هي كلها عوامل تقلص من حظوظ المترشحين وتضرب مبدأ تكافؤ الفرص للجميع
• كما تتأكد نية السلطة التنفيذية على تحجيم دور المؤسسات الرقابية من خلال التجميد الفعلي لدور « الهايكا » ودورها في مراقبة وسائل الاعلام و الحملات الانتخابية رغم عدم وجود قرار رسمي في الغرض
• إخضاع ممنهج للسلطة القضائية وتحويلها من سلطة رقابية مستقلة على العملية الانتخابية و ضامنة للحقوق و الحريات إلى وظيفة لتصفية الخصوم السياسيين وأغلب المترشحين لحرمانهم من حق المشاركة فيها ، هذا فضلا عن عدم تركيز المحكمة الدستورية
• انتشار خطاب الكراهية والتشويه والتخوين والدعوة للعنف و الانتقام من كل من يخالف او يعارض الرئيس في بعض مواقع التواصل الاجتماعي وحتى داخل مؤسسة تشريعية ، وذلك في ظل تجاهل و صمت مريب في أغلب الحالات من قبل النيابة العمومية
وعلى هذا الأساس فإن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
– استمرار الوضع الحالي، وما لم يمارس القضاء ممثلا في الجلسة العامة للمحكمة الإدارية رقابته القانونية بدون أي ضغط مهما كان ماتاه على المسار الانتخابي ككل ويعدل ما يمكن تعديله، وما لم يقع ضمان حياد الإدارة وحياد هيئة الانتخابات ورفع التضييقات عن الإعلاميين وعن السياسيين، فان المناخ الانتخابي لا يمكن ان يكون مناخا ديمقراطيا وسليما ونزيها وشفافا وتعدديا حرا ضامنا للانتقال السلمي للسلطة
– تعتبر أن كل المؤشرات تؤكد أن الانتخابات الرئاسية المقبلة لا يمكن أن تكون نزيهة وشفافة، ولا تضمن تعددية حقيقية، ولا مساواة حقيقية بين مختلف المترشحات والمترشحين، وهي بالتالي لن تعبر عن حقيقة الإرادة الشعبية
– تدعو كافة مكونات المجتمع المدني و القوى الحية الديمقراطية التقدمية الى مراكمة النضالات و توحيد الصفوف و الجهود من اجل التصدي للانحراف بالسلطات و الدفاع عن الحقوق و الحريات العامة و الفردية و الى العمل المشترك من اجل المحافظة على مكتسبات الثورة التي حققها الشعب التونسي
تونس في 26 أوت 2024
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان
بيان