غضّ النظرعن الفسّاد فساد

أعجب من صمت الأساتذة الجامعيين وهذه الجامعة، منذ سنين، في ضياع، تمشي من سوء الى سوء. أعجب من صمت أساتذة الثانوي والمعلّمين وهذه المعاهد 

 شيحة قحة

شيحة قحة

والمدارس في إهمال، في ضياع، في بؤس بليغ. أعجب من صمت إطارات الشركات العموميّة وفي الشركات العموميّة إهدار للمال العام ورشاوي وتقاعس كثير. أعجب من صمت المسؤولين ويعلم المسؤولون ما يحصل في مؤسّساتهم من محسوبيّة، من نهب، من تمعّش انتشر في البلاد الفساد. انتشر في البلاد المفسدون. انتشرت الرشوة. انتشر المرتشون. كلّ في موقعه  
يغنم، يتسلّط. كلّ حسب سكّينه يتدبّر، يستأثر، ينهش. الكلّ يرى ولا أحد يتكلّم… لماذا عمّ الصمت الأرجاء وقد وجب التكلّم؟ لماذا أدار الكلّ ظهره وكان على الكلّ أن يواجه الفساد ويقاوم المفسدين؟ غضّ النظر عن الفساد فساد وتشجيع للمفسدين
كيف للجامعة أن تنهض وقد أعرض عنها الجامعيون؟ كيف لمدارسنا أن تستقيم وقد أكل الأساتذة و المعلمين تسيّب ومطلبيّة لا تنتهي؟ كيف للشركات العموميّة أن تعمل وتكدّ وتعطي مردوديّة وجودة وفيها محسوبيّة وإهمال ومال فاسد يدور؟ كيف للتنميّة أن تكون وقد شدّ الأيدي عجز وجهل ولصوصيّة… أصاب الجامعة والمدارس جمود. أصاب المؤسسات العموميّة تكلّس. أصاب الانفس انكماش فانقلبت الأنفس تسعى الى غير الغاية، الى غير المقصود. الكلّ اليوم ينظر في ذاته، يتدبّر حماية، يجتهد ليغنم، ليرتقي دون أن يشقى أو يمسّه سوء… قتل الارتزاق الفعل. أظلم التواكل البصيرة. أصبح الفساد صنعة. أصبحت الرشوة فعلا حلالا يأتيها الكبير والصغير
أنا أستاذ جامعيّ. منذ عقود، في كلّ شهر، أنال أجرا محترما. بفضل الجامعة، كنت وتمكّنت وكانت لي ترقيّات وعطل. منذ سنين، أرى ما تحياه الجامعة من سوء، من رداءة. كنت أراها والناس جميعا كيف هي في تقهقر، تمشي الى الوراء، الى التعاسة… الكلّ مقتنع أنّ الجامعة التونسيّة في أزمة، تحتضر. أنا أراها قد انتهت وها قد سكنها مرض خبيث. يعلم الجامعيون والسلط والمتّبعون ما آلت اليه الجامعة من تبعثر ومن سوء. الكل مدرك ما هي فيه من عبثيّة… لكن، يسكت الأساتذة الجامعيون والسلط والمتّبعون. لم هذا الصمت المطبق للجامعيين ومن الجامعة يحيا الجامعيون ومنها يكونون؟ لماذا لا يكتب الجامعيون؟ لماذا لا يخرجون الى الشارع، يصرخون، يحتجّون؟ لماذا لا يتحرّكون وهذه الجامعة تموت؟ لا أدري. لا أفهم لماذا يرضى الجامعيون بما آلت إليه الأمور. هل هو التعوّد؟ هل هو الخوف؟ هل هو الجهل بما يجري في الربوع؟
نفس السؤال أسأله لبقيّة المدرّسين. لم أر أحدا أخذ قلمه وقال كيف إنقاذ المدرسة، كيف إصلاح التعليم. لم أر صخبا في الشارع كذاك الذي يأتيه أساتذة الثانوي والمعلّمون، غايته النهوض بالتعليم. في ما أرى، شأن المدرّسين ترقيات وأجور. نفس السؤال أسأله الى اطارات تونس الجوّيّة وشركة الكهرباء… أين اطارات شركة فسفاط قفصة ولم هم في صمت، في لامبالاة وشركتهم طوال سنين بين غلق وإضراب وتعطيل؟ نفس التمشّي تراه عند الأطباء. منذ سنين والمستشفى الجامعي بصفاقس في حرب لا تهدأ بين نقابة عصيّة ووزارة ومدير. أفليس للأطبّاء رأي وموقف؟ أفليسوا طرفا في المعادلة؟ فلم هم ساكتون؟
ان صمت الجامعيين والمعلّمين والأطبّاء والاطارات والعمّال تجاه ما يجري في ديارهم من عبث، من خروق، من فساد، من تسيّب… هو، ولا شكّ، صمت مريب

شيحة قحّة