منذر الزنايدي يؤكد أن الشعبوية تريد أن تعود بتونس إلى الوراء وتنسف كل مكاسب الاستقلال

الاستقلال بين الذكرى والواجب

تمر اليوم 69 سنة منذ نيل الشعب التونسي استقلاله بعد فترة طويلة من الاستعمار (75 سنة). استقلال جاء بعد مخاض عسير، ناضلت من أجله أجيال وقدمت في سبيله التضحيات وبذلت الأرواح الزكية العطرة حتى تنعم أجيال أخرى بالحرية والكرامة والسيادة

من المؤسف اليوم أن يتم تجاهل هذا الحدث المفصلي في تاريخ البلاد في ظل غياب تام وغير مبرر لمظاهر الاحتفال الرسمي. فلا شك أن كلمة « الاستقلال » وما تحمله من دلالات رمزية ضاربة في أعماق هذا الوطن وذاكرته، تخيف من استبد وظلم واستحوذ على كل شيء وتسبب في حالة من الانهيار الشامل بعد أن قوض الحق في حرية التعبير وقسّم التونسيين ودمّر الاقتصاد وفرّط في سيادة الوطن

ولكن المستبد الظالم نسي أن تونس بلد يتنفس الحرية وربح كل معارك التحرر والاستقلال والاستقلالية التي خاضها: الجلاء واستكمال الوحدة الترابية، الاستقلال الغذائي والزراعي، الاستقلال الاقتصادي، الاستقلال الدبلوماسي وعدم الانحياز لأي من محاور الصراع الدولي، استقلالية المرأة، الاستقلال من كل أشكال التبعية الفكرية والإيديولوجية والدينية والالتزام بنمط مجتمعي تونسي، الاستقلال من أنماط الحكم الواحد والوصاية على الأفراد والمنظمات والأحزاب

الشعبوية تريد أن تعود بنا اليوم إلى الوراء وتنسف كل هذه المكاسب وتجعل من بلادنا سجنا كبيرا في الداخل وحارسا أمينا لمصالح الآخرين في الخارج

معارك التحرر والاستقلال معارك تعرفها تونس ولا تهابها. اليوم وبعد أن أصبحت سيادة الوطن في مهب الريح وبعد أن تقلصت مساحة الحريات في البلاد بشكل غير مسبوق، واتسعت في نفس الوقت مساحة الفقر والتهميش والعنف والإجرام والمحاكمات الجائرة…واجبنا أن نستحضر قيم الاستقلال والتحرر والسيادة ونستلهم منها ما يؤسس لمجتمع الواجب لا المجتمع القاصر، مجتمع تحت الوصاية، مجتمع القدر المحتوم الذي اختارته الشعبوية لتونس

واجبنا اليوم أن نعمل من أجل تحقيق استقلال الإعلام والقضاء وتحريرهما من الرقابة والوصاية والفساد والمحسوبية والزبونية

واجبنا اليوم أن نعيد الاستقلال للقرار الوطني ونخلصه من الاتفاقيات التي تجعل منه مجرد تابع وراع لمصالح الخارج ونعيد لتونس مكانتها المتميزة في العالم

واجبنا اليوم أن نفك أسر الكلمة الحرة وكل من يقبع خلف القضبان بسببها وأن نعيد الاستقلالية لمؤسسات الدولة وكل تعبيرات المجتمع المدني وأن نعيد الكلمة للشعب ليختار في كنف الشفافية والحرية والاستقلالية من هم الأجدر بتمثيله وقيادته

واجبنا اليوم أن نتحرر من الخوف وألا نتخلى عن بلادنا في هذا الظرف العصيب وألا نتركها لعبث الشعبوية تهدد أمنها واستقلالها وتنسف مكتسباتها وتأتي على الأخضر واليابس وكل شيء جميل فيها

حتى تعود الكلمة للتونسيين

عاشت تونس حرة وكريمة ومستقلة

 منذرالزنايدي