منـذر الزنايدي يقول : لن يكون هناك انفراج إلا بتنظيم انتخابات حرة وشفافة ونزيهة وتعددية

إفراج لا انفراج

استعادة الحرية والخروج من السجن لا سيما لمن دخله زورا وظلما، لحظة انفراج تغمرها سعادة كبرى وشعور بعودة الروح والحياة

سعدت كالعديد من التونسيين بإطلاق سراح بعض الموقوفين من الأصوات الحرة…سعدت لهم وسعدت لعائلاتهم وأحبابهم وأصدقائهم الذين تألموا لألمهم وعانوا بمعاناتهم…الحمد لله

هذه لحظة القلب لا بد أن نعطيها حقها كاملا بهدوء وصدق وبعيدا عن الأضواء…ثم تأتي بعدها لحظة العقل التي تستوجب التحليل الموضوعي والهادئ والرصين…وتستوجب عدم التسرع في إطلاق الأحكام النهائية وتحويل التعاطف والتمنيات إلى خيارات سياسية. وبالتالي فإن الإفراج عن بعض المساجين لا يمكن اعتباره انفراجا ولا حتى بداية انفراج أو خطوة في الاتجاه الصحيح

فالإفراج جاء مشروطا لم يتضمن توقفا للتبعات والمحاكمات بل تأجيلا لها لذر الرماد في العيون ولربح الوقت وتخفيف الضغط المتزايد

والإفراج جاء منقوصا حيث لا يزال يقبع تعسفا في السجون عشرات السياسيين والإعلاميين ومخالفي الرأي. بل أن أثناء الإفراج لم تتوقف المحاكمات واستمرت الاعتقالات والملاحقات القضائية وشتى المضايقات

والإفراج جاء محدودا، لأن الشعبوية حولت البلاد إلى سجن مفتوح. ولن يكون هناك انفراج حقيقي إلا إذا تم إطلاق سراح كل مساجين الرأي وإيقاف التتبعات ضدهم وضد معارضي الداخل والخارج واستعادتهم لحقوقهم المدنية والسياسية

ولن يكون هناك انفراج إذا لم يتم الإفراج عن مساجين سياسة الرداءة والعجز والفشل: سجناء الفقر والخصاصة…سجناء البطالة وانسداد الأفق… سجناء سياسة التوزيع الفاشلة والطوابير التي لا تنتهي…سجناء غلاء الأسعار والقدرة الشرائية المتدهورة… سجناء الخوف: الخوف من الاعتقال والخوف من العنف والخوف من تدهور الأوضاع وفقدان الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة والخوف من المستقبل…سجناء العامرة وجبنيانة وكل ضحايا سياسات الهجرة الخاطئة والصفقات المشبوهة…سجناء الهجرة الاضطرارية بحثا عن لقمة العيش والغد الأفضل

ولن يكون هناك انفراج إلا بفك أغلال الاستبداد والتسلط ورفع القيود عن حرية التعبير والتنظّم والعمل السياسي التعدّدي…ولن يكون هناك انفراج إلا بمحاربة الفساد الحقيقي: فساد الشعبوية والمحسوبية والعبث بمقدرات البلاد وإرساء عدالة اجتماعية حقيقية لا محاباة ولا تمييز فيها … ولن يكون هناك انفراج إلا بإعادة الاعتبار لصورة تونس ومكانتها في الخارج والقطع مع دبلوماسية المحاور والاستجداء والمقايضة بسيادة الوطن

ولن يكون هناك انفراج إلا بإيقاف مسار اغتيال الديمقراطية وذلك بتنظيم انتخابات حرة وشفافة ونزيهة وتعددية يختار من خلالها الشعب من هم الأجدر بقيادته

وحتى يأتي الانفراج الحقيقي والدائم، فإنني وكثير من الغيورين على هذا الوطن لن نتخلى عن واجبنا في منع مسار الانهيار الشامل والعمل على بناء « مجتمع الواجب »، مجتمع متضامن ومتآزر ومتحرر من سموم الحقد والكراهية والانقسام التي بثتها الشعبوية…مجتمع واثق في الله وفي قدرته على تحديد مصير الأمن والاستقرار والازدهار الذي هو جدير به

منـذر الزنايدي