صديقان لي من عقود، شهدت صبرهم وتفانيهم وجديتهم وعطاءهم لمؤسساتهم ووطنهم وطلبتهم وزملائهم، أوفياء لمواطنهم كما لمخابرهم وأهلهم وأترابهم وأصدقاءهم، أراهم البارحة متوجين في يوم العلم بالصنف الرابع من وسام الإستحقاق في قطاع التربية والعلم
هما محجوب العوني رئيس جامعة المنستير أصيل الأبيض من ولاية سيدي بوزيد قريب من جلمة والحاجب، في وسط تونس، ليس ببعيد عن جبل مغيلة
والشادلي العبدلي المدير العام لمركز البيوتكنولوجيا ببرج السدرية أصيل الحزق الملتقي الطبيعي والاجتماعي للبر والبحر التونسيين، قريب من جبنيانة في ولاية صفاقس،
كلاهما من أوساط اجتماعية وتربة وربوع أعرفها جيدا
هذان الرجلان هما من تونس العميقة أو البعيدة أو تونس الدهماء أو قل بعبارات اليوم من تونس المهمشة الفقيرة والضعيفة. كلاهما نشأ في عائلات ريفية تقريبا معدمة. كلاهما اشتغل وهو تلميذ صغير في الريف في الفلاحة بالبالة والفأس والمحراث العربي والمنجل والمذرة. كلاهما اشتغل راعيا للأغنام أو المعز أو البقر. وكلاهما جرى حافيا في النهار يسابق الشهيلي وفي الليل متجنبا الحيوانات عالية السمية
كلاهما حفر في الصخر وتحدى المنحدرات الجبلية الحادة، صعودا، وكون لتونس رصيدا واعترافا دوليين كبيرين متميزين. ليس وحدهما بالطبع إذ أسس كلاهما، محجوب والشادلي، في مجالات وآفاق محددة، فرقا ومجموعات وشبكات أعطت المطلوب لبعث ديناميكيات جديدة للبحث العلمي والتأطير ومشاريع وبرامج مجددة. فحققا لتونس اشعاعا مهما وكونا لها وفيها الخبرات والكفاءات
بطبيعة الحال تم تكريم الكثير من نساء ورجال وأبناء تونس المهمين. ولكنني أصبحت اليوم بهدوء في النفس واطمئنان في القلب مردهما خاصة تتويج هذين الرجلين الذين أعرفهما جيدا. قامتان علميتان عاليتان. هدوء واطمئنان مردهما أنني أشعر في هذا الصباح بأمل كبير في أن تظل تونس ولادة في أية ربع منها مهما بدا للبعض من أن ذلك الربع أصبح عقيما. ومع ذلك فلدي شيء من الغصة مما أراه مازال سائدا لدى أولياء أمرنا من عدم إعطاء تونس العميقة والبعيدة والضعيفة والريفية والمنسية فرصتها كي تواصل إعطاءنا أمثال محجوب والشادلي
وإنني أتساءل اليوم هل يعني بالنسبة لحكامنا أن توسيم محجوب والشادلي وأمثالهم من الكبار هو بهرج رسمي لا بد أن يزورنا كل صيف. أم هل هو بداية الاعتبار لقدرات هؤلاء العلماء الكبار وتقدير مكانتهم التي نحن في أشد الحاجة لتوظيفها من أجل نهضة البلاد وترابط علمائه مع منظوريهم في العالم قصد خدمة مصالح شعبنا وتحقيق رقيه
محمد العربي العواني