درس مخادع في العمل الخيري

لقّن السيّد البحيري التونسيين مؤخّرا درسا في العمل الخيري على إحدى القنوات الإذاعيّة التونسيّة. و خلع، على عبارة الفرنسيين، أبوابا مفتوحة في بيان الفائدة من العمل الخيري و hedi jatlaouiأكّدها بتجارب الغرب فيه و تجارب العرب و التونسيين في نظام الحبس و الأوقاف التي استفاد منها جامع الزيتونة و مستشفى عزيزة عثمانة مثلا و إن أقرّ التاريخ بأنّه كان نظاما فاسدا. و بدا لي البحيري شاهرا لبند من بنود الفكر النهضاوي كنت نصّصت عليه في البيان رقم 1 لأمير المؤمنين سنة 2019. و بدا لي البحيري، كما في لعبة البينق بونق، يردّ على مشروع الباجي في المساواة بين الذكر و الأنثى في مبارزة سياسيّة بسيوف دينيّة
و الذي لم يقله البحيري في العمل الخيري و لا يمكن له أن يقوله و ليست له الجرأة على قوله و يستحضره المنطق في هذا المقام هو شرط أن لا يلتبس العمل الخيري بالدّعاية الحزبيّة و المنفعيّة عامّة و أن يكون عملا لله في سبيل الله لا يبتغي صاحبه من ورائه جزاء و لا شكورا. و ما أوقح هذا الخطاب البرّاق في زمن اتّخذ فيه بعض أغنياء الخليج العمل الخيري مدخلا إلى شراء الذمم و تخريب الشعوب و كان لنا منه في تونس النصيب الذي بدأت خباياه تنكشف للناس في تقوية عود الإسلام الديني و تسفير السذّج إلى القتال. و لهذا فإنّ العمل الخيري في أحلام البحيري و صيّاديه هو احتواء للبسطاء من الناس يتعلّمون على أيديهم و يعالجون على أيديهم و يأكلون و يشربون و يلبسون من فضلهم يدعّمون صفوفهم و يشدّون أزرهم و يثبتونهم في كراسي الحكم
و لهذا فإنّ للعمل الخيري فضلا لا ينكر على المجتمع و نحن لا ننتظر أمثال البحيري يلقّننا درسا فيه و لكنّه عمل في حاجة إلى الضبط و التقييد تتبرّع به الأفراد و الجماعات و لكنّ الدولة هي التي تتولّى التثبّت من مصادر المال المتبرَّع به إن لم يكن مهرّبا أو فاسدا أو مبيّضا وهي التي تتولّى صرفه و الإشراف على وصوله إلى المواطن المحتاج بصرف النظر عن انتماءاته الحزبيّة و الجهويّة و غيرها في مرحلة من تاريخ البلاد حديثة العهد بالتحزّب و الفصل ما بين الدولة و الأحزاب
فهل فاضت خزائن الإسلاميين اليوم بمال جمّ انسدّت سبل إنفاقه و تصريفه أم ماذا وراء دعوة النهضة إلى إعادة النظم الخيريّة البائدة في مسعى سياسيّ يتغطّى، لمن لم يفهم بعدُ، بغطاء الدّين و التقوى؟

بقلم الدكتور الهادي جطلاوي