الدكتور أحمد المناعي يرى أن قيس سعيد تحمل مسؤولية الحكم دون أن يهيئ نفسه لذلك

ساعة مع قيس سعيد …… قبل ستة أشهرمن انتخابه

أحمد المناعي

مساء يوم 9 فيفري 2019 جمعتني الصدفة بقيس سعيد في قاعة استقبال قناة تلفزية تحت الأنشاء حيث كنا ضيفي الصحفية السيدة ليلى بنت عطية الله. كنت قد سجلت حديثي(الذي لم يبث أبدا في حين بث حديث قيس سعيد) وفي انتظارأن يعيدني السائق الى بيتي. وكنت أتابع حديث الصحفية وزملائها عن قيس سعيد وكيف الأتصال به ومتى يأتي ….الى أن جاء الرجل وجلس أمامي في فضاء صغيرمفتوح أعد لاستقبال الزوار ينتظر دوره لتسجيل حديثه

لم يكن وجهه بالغريب عني ولا اسمه أيضا فقد رأيته في الفيسبوك المرات العديدة في السنوات الفائتة وعلقت صورته مع د.الصحبي العامري في مخيلتي

دام لقاؤنا حوالي الساعة أو أكثر بقليل لم نتبادل فيها أكثر من التحيات وعبارات السلام التقليدية على الرغم من محاولاتي الكثيرة واليائسة لأخراجه من صمته المتعالي. وسألته ان كان يعرف د.الصحبي العامري الذي رأيته مرة في الصورة معه وكان جوابه « ايه ولا « وهو الجواب الذي ينسب تاريخيا الى أهل النرمندي في فرنسا » وهذا يعني كل الأحتمالات

ولكن ان لم نتحادث كثيرا على طول الساعة فقد اشتركنا في شرب القهوة وفي التدخين وبدا لي أنه أكثر ادمانا مني عليه

وعندما جاء مدير القناة ليرجعني الى داري ودعت قيس وأنا أحمل تساؤلات كثيرة عن الرجل وبالخصوص عن جفاف طبعه وحذره المفرط من الغريب وانكماشه على نفسه وتعاليه خاصة وقد بدأ نجمه كمترشح للرئاسة يتصاعد في سبر الأراء . تساءلت كيف سيتحدث للناخبين يوم يعلن عن ترشحه وكبف سيشرح لهم برنامجه الأنتخابي وان كنت الى ذلك الحين أشكك في ترشحه فالرجل الذي لا يحب الحكم ولا يطمح لتولي المناصب كما كان يدعي لا يترشح له ولا يدخل في الحملات الأنتخابية

وحكيت قصتي لابني باديس وزوجته دنيا فطمأناني بأني كنت أكثر حظا منهما حيث أنهما قضيا سهرة كاملة على نفس المائدة مع قيس وزوجته في حفل زواج صفوان قريرة ليلة 16 أوت 2014…ولم يتبادلا الأربعة أكثر مما تبادلت مع قيس لمدة ساعة

من هو قيس سعيد؟

كان علي أن أسأل عن هذا الرجل اللغز ليطمئن قلبي وأسترجع بعض الأمل في مستقبل البلاد

وصلتني معلومات كثيرة من ناشطات و-ين- في المجتمع المدني وأخبرتني الصديقة ابتسام جمعة التي كانت تنشط في « حركة تمرد » بأن الرجل الزاهد في الحكم والمسؤوليات بدأ يتحرك سريا منذ سنة 2013 وقد زارها وصديقاتها مرة في سوسة والتقت به في تونس وقدم نفسه كمترشح للأنتخابات الرئاسية التونسية لسنة2014غير أنه أخفق في جمع التزكيات اللازمة . وكان الطلب الوحيد لهذه الناشطات من سعيد أن يقدم برنامجه– وهو ما وعدهن به ولم يوف -اذ لا يكفي الرصيد الأخلاقي الأفتراضي القائم على النزاهة والأمانة والشجاعة خاصة وليس للرجل أي رصيد سياسي ونضالي

وحاولت التعرف على قيس سعيد الطالب ثم الجامعي فالمتقاعد من خلال نشاطاته السياسية أوالنقابية أوالحقوقية أوالأنسانية أوالخيرية السابقة فلم أجد شيئا وبحثت عنه من خلال منشوراته الصحفية والفكرية والأدبية والعلمية ولم أتوصل الى شيئ يذكر فيما عدا مشاركته في مناقشات الأصلاح الدستوري في سنة 2002 

ولجأت في الأخير الى زملائه في الدراسة وفي التدريس على مدى أكثر من ثلاثة عقود والجواب كان دوما : « عرفنا قيس سعيد طالبا ومدرسا ومتقاعدا وكان دائما بلا مشاكل ولا مواقف »  « الحيط الحيط » كما ذكر لي كثيرمن زملائه

وهو لعمري شيء غريب بالنسبة لشخص يعيش في بلد عرف عواصف وزوابع وحتى أعاصير ويعرف حاليا علامات استفهام كبرى حول مصيرها كدولة ذات سيادة وشعب حر ومستقل

ان الوقوف على الربوة اختيار محترم وسليم لمن أراد من عامة الناس تجنب المشاكل والأذى ولكن كيف قبول ذلك ممن يطمح لتحمل مسؤولية قيادة شعب ورئاسة دولة؟

عنما بدأت الحملة الأنتخابية الرئاسية اتصل بي بعض الصحافيين الأجانب يبحثون عندي عن طريقة للوصول الى قيس سعيد واعتذرت عن عجزي على مساعدتهم وهو ما استغربوا أن يتعالى مرشح

الآن

قبل الشعب به كرئيس وصوت له بنسبة هائلة- وللأمانة لم أصوت له في الدورة الأولى وكنت متغيبا عن البلاد في الثانية- وحمله مسؤولية لا أحسب أنه هيأ نفسه لها

فتونس التي ورثها لخمس سنوات -قد تتمدد لخمسة أخرى- غارقة في نظام يذكّر في كثير من ملامحه بنظام ” التخليط و الإضاعة” ـ بتعبير المرادي القيرواني، أحد حكماء القرن الثاني عشرهجري ـ الذي عرفته تونس قُبيل انتصاب الحماية

وتونس التي « يحكمها » قيس سعيد منذ سنة هي في أحد جوانبها أقرب للصوّرة التي قدمها فيها محمد بيرم الخامس منذ قرن ونصف :  فلو رأيت ما عليه القرار، لملئت رعبًا و لولّيت منهم فرارًا، من ذئاب تغتال و ثعالب تحتال، مجتهدة في قلب الرّحال و تشتيت الرّجال، و ثعبان شاغر فاه لابتلاع الأموال. فيالها من حال يرثي لها من رام النزال و تخرّ بشدّتها شامخات الجبال، افتضحت فيها ربّات الحجال، و هوت الإيالة إلى الزوال و تمكن من القلوب الزلزال و تقاربت الأجيال و انقطعت الآمال و عُدّ الصلاح من المحال

أحمد المناعي

14-12-2020