نشر ،صباح اليوم الأحد ،السيد منذرالزنايدي المترشح للإنتخابات الرئاسية السابقة البيان أسفله على صفحته الرسمية بالفايسبوك
********
من أجل مجتمع الواجب
1- الموقف من الانتخابات وقراءة في النسب والأرقام
رغم أنها انتخابات فريدة من نوعها لا تشبه غيرها من الانتخابات في تاريخ بلادنا أو غيرها من البلدان، فقد كانت محطة مهمة استوجبت منا التوقف والتأمل بعض الوقت والقراءة الهادئة للأحداث واستلهام العبر والدروس واستئناف مسار الإنقاذ والإصلاح بروح معنوية أكبر ووضوح في الرؤية وتطويرا لمناهج وأساليب العمل واستثمارا لمكاسب أشهر من مقارعة الشعبوية وتعريتها في الداخل والخارج
بعد تحذيرات من مغبة التشكيك في الانتخابات واتهامها بالمزورة صدرت من جهات رسمية أو مقربة منها، أَوَدُّ التأكيد قبل كل شيء أني قررت منذ رفض هيئة الانتخابات الإذعان لقرار القضاء الإداري بإدراجي في قائمة المترشحين الطعن في كامل المسار الانتخابي انطلاقا من مبدإ « ما بُني على باطل فهو باطل » وهذا موقف ثابت لن تغيره محاولات التخويف والابتزاز، ولكن في ذات الوقت أود الإشارة أن الاكتفاء بالأرقام الرسمية وبتصريحات أنصار الشعبوية كفيل وحده بإبراز كيف تحولت انتخابات علق عليها التونسيون آمالا كبيرة إلى مسرحية فاشلة سيئة الإخراج وكيف ضيعت الشعبوية على البلاد فرصة للإقلاع وتجاوز أزماتها
– أضعف نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات الرئاسية في تونس ومن أضعفها في العالم، هذا على اعتبار افتراض حسن النية والتسليم بصحة النتائج والأرقام المعلنة
– أضعف نسبة اعتماد لملاحظين محليين أو أجانب من صحفيين وإعلاميين وممثلي جمعيات ومنظمات وهيئات رقابية (29712 في 2014 و13243 في 2024)
– أضعف عدد مترشحين للانتخابات الرئاسية منذ الثورة (أحدهم يقبع في السجن)
– أضعف نسبة مراقبين في مراكز ومكاتب الاقتراع (بحكم ضعف عدد المترشحين ومناخ الخوف…)
– أضعف نسبة مشاركة للشباب (ما يناهز 6 بالمائة في حين أنهم يمثلون أكثر من 23 بالمائة من الجسم الانتخابي)
– أضعف حملة انتخابية وأضعف تغطية إعلامية على الإطلاق (لا حوارات ولا برامج ولا مناظرات تلفزية، لا تجمعات انتخابية، لا برامج انتخابية تم توزيعها…)
– أضعف مستوى تهاني بالفوز في الانتخابات لم تشهده بلادنا ولا كثير من البلدان الأخرى، في تجاهل تام من الداخل (جمعيات ومنظمات وهيئات وطنية…) ومن الخارج (دول، تمثيليات دبلوماسية، تجمعات إقليمية، منظمات دولية…)
– لم يحدث أن تقدم بشر لنيل ثقة شعبه دون مشروع أو برنامج يمكن أن يحاسب عليه. وكل حديث عن النتائج أو المنجز المتوقع لهذا التوجه الفوضوي هو نقاش عقيم لا طائل منه لأن البرنامج الوحيد الذي تعهد به هو تعقب الفاسدين والخونة والعملاء وفق زعمه
كيف لمنظومة عاجزة وفاشلة أن تصمد طويلا أمام هذا الحجم من التجاهل والإنكار والازدراء في الداخل وفي الخارج، كيف لها أن تحكم ضد أغلبية لم تصوت لها (أكثر من 7 ملايين تونسي)، وفي ظل عزوف شباب (94 بالمائة) لا يؤمن بمشروعها، وخارج يرفض التورط في دعمها، كيف لها أن تحكم دون برامج ودون بوصلة ودون آفاق
لن أعترف بمسرحية بدأت منذ تفعيل الفصل 80 وتنصيب هيئة انتخابات جديدة والانفراد بالحكم وتكميم الأفواه وقمع الأصوات الحرة، وفرض مناخ من التهديد والترهيب… ولم تكن مشاركتنا في الانتخابات إلا السبيل الوحيد لإحداث تغيير وإنقاذ البلاد أو مزيد تعرية منظومة العجز والفشل. ولكننا لم ولن نعطيها صكا على بياض، كلفنا ذلك ما كلفنا، لتعبث بمصير بلاد وشعب وتاريخ وقيم وثوابت تحت أي ظرف أو إكراهات أو ضرورات
لن أعترف بمنظومة تدعي الطهر والتعفف والنظافة وتتستر بها، وتتهم كل من عارضها بالخيانة والتآمر على الدولة، في حين أنه لم يعد خافيا على أحد أنها هي من عقدت الصفقات المشبوهة وفرطت في سيادة الوطن، واستباحت العامرة وجبنيانة وقوضت دولة القانون والمؤسسات، وتآمرت على حلم التونسيين في العيش الكريم وفي غد أفضل. لن أعترف بمنظومة تدعي محاربة الفساد في حين أنها أفسدت كل شيء جميل في البلاد
كل التجارب تدل على أن الشعبوية هي الضحية المقبلة للشعبوية ولسياسة الاختزال والانغلاق التي تنتهجها. تختزل الوطن وتراه صغيرا فيراها أصغر. في حين أننا نرى تونس أكبر ونراهن في المقابل على نهج التوسيع والانفتاح الذي صنع أمجاد هذا الوطن وحاز له المكانة التي تليق به بين الأوطان
2 – وهم الأرقام ووهم الشعارات: الشعبوية تهدم ولا تبني
الشعبوية تريد إيهامنا بأنها ستتغير وستشرع في « البناء والتشييد ». خديعة جديدة لن تنطلي على التونسيين فضحها خطاب أبقى على صبغته ونبرته التهديدية والانتقامية ضد من تعتبرهم خونة وعملاء ومتآمرين من رجال أعمال وسياسيين ومثقفين وإعلاميين ومدونين
التونسيون كانوا ينتظرون خطاب أداء القسم يفتح آفاقا لمستقبل واعد يقطع مع معاناتهم اليومية، لكنهم فوجئوا برئيس يبدأ عهدته الجديدة بالإسهاب في الحديث عن ماض قريب أو بعيد في إطار إعادة قراءة للتاريخ بعيون الشعبوية. رئيس لم يقل للتونسيين ماذا سيفعل بعد أشهر وبعد سنوات ولكنه اكتفى بتبرير عجزه وفشله طوال السنوات الماضية
رئيس يُقِرُّ بحتمية البناء بعد أن هدمت الشعبوية كل شيء ولكنه لم يرافق هذا الخيار بالمصطلحات والمفاهيم التي تعبر عنه وتحققه مثل: الاستثمار، التطوير والتحسين، التنويع والتجديد، توفير موارد، استعمال التقنيات الحديثة، عصرنة الإدارة، إعادة توزيع، التعاون والتآزر والتعاضد والتضامن وتوحيد الجهود، التكوين، التشغيل، إعطاء فرص جديدة، التشجيع على المبادرة والإبداع، إعادة الثقة، تحسين الاحتياط النقدي، تحسين معدل النمو، تحسين مناخ الأعمال، تحسين المقدرة الشرائية
وفي المقابل يستعمل مصطلحات تفضح عجزه ونواياه الحقيقية مثل: إسقاط مخططات، مكاشفة، تطهير، محاسبة، تحرير، خيانة، عمالة، صهيونية، ماسونية، ارتماء في أحضان الاستعمار، تنكيل، إفشال مخططات، أفاعي تسمع فحيحها
كيف لمنظومة ال90 بالمائة أن تَبْنيَ وتُشَيِّد وهي التي حافظت على وتيرة الاعتقالات والمحاكمات الجائرة بعد الانتخابات؟ كيف لها أن تبني وتشيد ورئيسها يعد بثورة تشريعية بعد أن أغرق البلاد بالمراسيم والنصوص والقوانين المفصلة على المقاس، ولم يتحدث عن ثورة اقتصادية أو اجتماعية أو تقنية، أو تعليمية، أو تشغيلية، أو شبابية
كيف لمنظومة أن تبني وتشيد ورئيسها على غرار كل الأنظمة الشمولية ينكر الفرد ولا يهتم بالإنسان…يحتكر الحديث باسم « الشعب » أو جزء منه وهو أقلي… لا تكاد تسمع لرئيسها حديثا عن الإنسان: الطبيب، أو المهندس، أو العاطل، أو الامرأة المتحرش بها في مكان العمل ووسائل النقل العام، أو الأم الثكلى التي تبكي فقيد الهجرة، أو صاحب الشركة الذي اضطر لغلق مؤسسته، أو الأستاذ الذي تم تعنيفه، أو الطفل الصغير الذي اعتُدِيَ على براءته، أو المواطن القاطن في جبنيانة أو العامرة الذي يخاف أن يخرج ليلا… الشعبوية هي إلغاء للفرد وتغييب لخصوصيته…الشعبوية لا تعرف التعاطف ولا الاختلاف ولا التنوع…هي منظومة القوالب الجاهزة الجامدة المتشابهة التي تعاقب من يغرد خارج السرب…وهذا النمط لا يبني ولا يشيد…فالبناء والتشييد إبداع وانفتاح وجرأة ومبادرة ونفس حر
كيف لمنظومة ال90 بالمائة أن تبني وتُشَيِّد وقد هدّمت كل شيء: القانون، ومؤسسات الدولة، والشباب والأمل في تونس، والمجتمع المدني والسياسة، والاقتصاد والمقدرة الشرائية، الثقة، الوحدة والتضامن، حرية المبادرة، الكفاءة والاستحقاق…بماذا ستنهض الشعبوية وهي التي أضعفت الإدارة ورذلت أعوانها ومسحت فيهم فشلها، بماذا ستنهض وهي التي تستهدف رجال الأعمال والمستثمرين وأصحاب المبادرات وتنظر عاجزة إلى نزيف هجرة شباب البلاد وكفاءاتها وخيرة أبنائها
كيف يمكن أن نتوقع إقلاعا أو تغييرا أو حتى بوادر تحسن…فالشعبوية هي إضافة إلى عجزها وفشلها فهي غبية بالمعنى الأينشتايني للكلمة: الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة
وهل نتوقع من الرداءة والعبث والغباء أن تجد حلولا أو تصورات
– للوضعية الكارثية لشركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي والذي يشهد حالة عطالة غير مسبوقة
– لوضع الفلاحة المأزوم في ظل التغيرات المناخية المستوجبة لخطة طويلة الأمد للتفاعل مع هذه التغيرات المناخية والاحتباس الحراري
– لتهاوي الصناعات الصيدلية ومغادرة العديد من الشركات العالمية لتونس وعن الشطط في أسعار الدواء إن وجد، وعن حالة العجز لإيجاد الحلول اللازمة لقطاع استراتيجي كقطاع الأدوية
– للصراعات الإقليمية والدولية وتأثيرها على التجارة العالمية وغلاء الأسعار وارتفاع معدلات التضخم والتي تواجهها منظومة العجز والفشل بإغراق الدولة بالمديونية وإغراق المواطن بالجباية
– للهجرة غير النظامية وأثرها على التركيبة الديمغرافية للسكان وعن الإجراءات الواجب اتخاذها للنأي بالبلاد عن مخاطر هذه الظاهرة العابرة للحدود
– لركود الاستثمار المتوقع على العالم خلال السنة القادمة وأثره على استقرار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وعلى أمن البلاد بشكل عام
الشعبوية لا تتعلم من عجزها وفشلها وهي لا تحتاج إلى انتخابات، فالمنافسون هم متآمرون يقبعون في السجون أو تلاحقهم قضايا وبطاقات التفتيش، ودروس الانتخابات معلومة مسبقا فلا حاجة لحملات ومناظرات وتعبيرات حرة، والرئيس رئيس قبل الانتخابات وبعدها، وأعضاء الحكومة يُعَيَّنون قبل الانتخابات، والمعارضون والأصوات الحرة في السجون قبل وبعد الانتخابات…الشعبوية تسير اليوم بالبلاد دون بوصلة، أفقها الوحيد هو البقاء في السلطة وبعدها فليكن الطوفان
اليوم وبعد أن تم الإعلان عن النتائج الرسمية « المتوقعة جدا »، وبعد أن انقشع سراب الانتخابات، ستعود الشعبوية إلى الواقع الذي تعرفه وتخشاه وتتجاهله ولم تفعل شيئا لتُغَيِّرَه، واقع هي المسؤولة الوحيدة عنه وبنسبة 90 بالمائة التي تتبجّح بها بعد أن أقصت كل رأي مخالف واحتكرت كل شيء، واقع أليم تؤكده وللأسف الأرقام والإحصائيات الرسمية السنوية وغيرها. للأسف كل يوم يمر زمن حكم الشعبوية، تخسر فيه مستشفياتنا ومصحاتنا ومرضانا 4 أطباء ومؤسّساتنا 18 مهندسا وعائلاتنا عشرات الشباب جميعهم غادروا البلاد بعضهم في قوارب الموت…كل يوم تبكي بلادنا 4 قتلى وعشرات جرحى من جراء حوادث الطرقات… وكل يوم 275 تلميذا ينقطعون عن الدراسة مبكرا… وكل يوم تغلق عشرات المؤسسات الوسطى والصغرى أبوابها ويُحال مئات التونسيين على البطالة… كل يوم ضحايا الإجرام بصفة عامة والعنف المسلط على المرأة بصفة خاصة يُعَدُّون بالعشرات… كل يوم تتعكر صحة مئات التونسيين بسبب افتقاد الأدوية…هذه بعض من الفواتير الباهظة التي سيدفعها وللأسف التونسي ثمن استحواذ « منظومة ال 90 بالمائة » على كل مسؤوليات الحكم ولكنها في نفس الوقت تتحمل وحدها مسؤولية وتبعات هذه الكوارث الأليمة التي تحدث في بلادنا كل يوم…فهذه الأرقام أرقامها أيضا ولا يمكن أن تتهرب منها…فلا حاكم في البلاد غيرها…وبطبيعة الحال لا مسؤول عن أزماته غيرها
ماذا سينتظر التونسيون من منظومة العجز والفشل سوى الخديعة والبروباغندا السوداء والدعاية الكاذبة، فأرقامها وأفعالها تدل عليها. كل المؤشرات الاقتصادية حمراء حسب الصورة القاتمة التي رسمها كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في تقاريرهما الأخيرة عن تونس إلى حدود سنة 2029. وفي الأثناء ماذا فعل الرئيس بعد أداء اليمين: إعادة فتح مسبح بلدي وزيارة تسويقية إلى دار ثقافة ومحطة أرتال كل ذلك في العاصمة ومعززا بالكاميرات، واعتمادا على سيناريو صار مألوفا: احتكار الحديث وتقريع المسؤولين وخطاب عام في الشكل والسلوك لا يتطرق أبدا للحلول ولا إلى إدارة المشاريع وآجال إنجازها. وهكذا سيكون حال البلاد مع الشعبوية، كلما اشتكى التونسيون من نقص أو تجاهل أو تقصير إلا وخرجت عليهم المنظومة بزيارة تسويقية لا تقدم لهم فيها الحلول وإنما الدروس والقرابين وأكباش الفداء
لن نترك تونس تنهار…كلما يتعمق عجز الشعبوية ويزداد وضع البلاد سوءا كلما يزداد حرصنا على إنقاذ البلاد من خطر الشعبوية وإيقاف مسار الانهيار الشامل وإصلاح كل ما أفسدته
3- من أجل مجتمع الواجب
بعيدا عن أرقام الشعبوية التي يؤخذ منها ويرد، الرقم الذي لا جدال في صحته والذي يعنينا ويستنهض هممنا هو أكثر من 12 مليون تونسي لن تفعل الشعبوية شيئا لتحسين أوضاعهم وتأمين مستقبلهم. النضال من أجلهم والتجنّد لخدمتهم ليس مرتبطا بمواعيد ولا يحتاج ترخيصا مسبقا أو وساطة أو وصاية أو تزكيات. ما تعتبره « منظومة 90 بالمائة » انتخابات أظهرت للجميع كيف ترى الشعبوية شعبها وكيف تختصره في مجرد أرقام ونسب مئوية تبرر بها بقاءها في السلطة…في حين نراه كل يوم احتياجات وحقوق ومشاعر وقيم وآمال وطموحات وأحلام
نضالاتنا القادمة من أجل حق شعبنا في حياة أفضل تتنزل ضمن ثلاثة محاور
– محور قانوني حقوقي: سنخوض ضد الشعبوية كل المعارك القانونية المتاحة محليا ودوليا. ولن ندخر جهدا في إبرازها كمنظومة مارقة عن القانون وفي الدفاع عن حقنا وحق شعبنا في انتخابات حرة ونزيهة واختيار الأجدر بقيادة البلاد. كما أننا سندافع في ذات الوقت على حق كل التونسيين في الرأي المخالف والمعارضة السلمية الديمقراطية، وسنضغط باتجاه كف المظالم المسلطة على الأصوات الحرة وإطلاق سراح مساجين الرأي ومحاسبة من أذنب في حق هذا الشعب عبر سياسة الإقصاء وتكميم الأفواه الممنهجة. وقد توفر لنا في هذا الصدد فريق قانوني متميز زادته المعارك القانونية التي خاضها طيلة المسار الانتخابي دربة ومراسا، هذا بالإضافة إلى « الصحوة القانونية » التي عرفتها بلادنا في الأشهر الأخيرة والتي أظهرت أنه ورغم سياسة التدجين الممنهجة، فإن بلادنا تزخر بكفاءات عالية وبفرسان محاماة وقضاء هم مكسب وطني لا بد من تعزيزه، حتى يشكل فعلا القوة الضاربة في معارك اليوم والدرع الحصين غدا ضد كل محاولات الرجوع إلى الوراء والتلاعب بالقانون وتطويعه لتقويض دولة القانون والمؤسسات والانفراد بالحكم
– محور سياسي اقتصادي: الشعبوية اغتالت الديمقراطية وقتلت السياسة في بلادنا. فلا أحزاب ولا مجتمع مدني ولا نشطاء ولا رأي مخالف ولا إعلام حر ولا تنافسية حول البرامج والمشاريع ولا مراقبة ولا محاسبة للسلطة الحاكمة. النشطاء والمعارضون والإعلاميون والمدونون ومترشحون للانتخابات يقبعون في السجن عوض أن يساهموا في تنشيط الحياة العامة وإثرائها وتعزيز البناء الديمقراطي. وهذا لا يتنافى مع دعواتنا المتكررة لكل الفاعلين السياسيين (من المعارضة أو من تحملوا مسؤوليات سابقة) للقيام بالمراجعات اللازمة والقطع مع ممارسات أدت بهم للابتعاد عن مشاغل الناس وساهمت في تجذير مواقف سلبية تجاه السياسة والسياسيين وعزوف الناس عن الشأن العام
الشعبوية دمرت أيضا اقتصادنا وألغت المبادرة الحرة وعمقت الفقر وأضعفت المقدرة الشرائية للمواطن وأثقلته بالضرائب
الرداءة ليست خيارا ولا وجهة نظر ولا قدر يجب أن يقبل به التونسيون. الشعبوية تستعمل السياسة لتحجب الإخفاقات والجرائم الاقتصادية والاجتماعية التي ترتكبها ضد شعبنا، في حين نرى السياسة سببا ومبررا وهدفا لتحقيق ثالوث « الحرية والأمن والكرامة ». سنجتهد من موقعنا، باعتماد الوسائل السلمية والقانونية وأساليبنا في العمل التي حرصنا دائما من خلالها أن نقدم الإضافة والحلول وألاّ نساهم في تعقيد الأوضاع أو تهديد أمن البلاد واستقرارها ووحدتها، سنجتهد في تحسين الوعي والدفع نحو استعادة بلادنا لحياة سياسية سليمة وراقية وديمقراطية تليق بها وبتطلعات شعبنا لغد أفضل. سندخل بحول الله بمقترحاتنا وحلولنا إلى كل البيوت وإلى كل المؤسسات حتى نعرض على التونسيين ما سعت الشعبوية لتطويقه وحجبه في « انتخابات الإقصاء ». سنجعل من كل أيام السنة اختبارا بين ما تقترحه أو بالأحرى ما « لا تقترحه » الشعبوية وبين ما نقترحه من حلول لكل القضايا التي تشغل بال التونسيين بالتعاون والتعاضد مع كل الذين قرروا عدم التسليم بالفشل والعجز والرداءة
مشروعنا متواصل بحول الله ولن توقفه آلة القمع والترهيب وافتعال القضايا، لنا والحمد لله ما ليس للشعبوية: برنامج اقتصادي واجتماعي وتنموي جديد لتونس يكون للفرد فيه مكانته ويؤسس لعقد اجتماعي جديد مبني على المصالحة بين المواطن والدولة ويبعث الأمل ويؤسس لثقافة النجاح والعمل والاستحقاق…. من يريد أن يخدم تونس بإمكانه أن يخدمها من أي موقع كان وليس بالضرورة من سدة الحكم. لقد تعهدنا بإطلاق برنامج إنقاذ وطني، أكيد أنه لن يكون اليوم من داخل أجهزة الدولة وإنما عن طريق شبكة خبراء وكفاءات تونسية… نريد مساعدة الشباب التونسي على الاندماج في الاقتصاد الرقمي، ومساعدة المؤسسات الصغرى على تحدي الصعاب وإنجاز شراكات والاستفادة من تجارب النجاح المقارنة، نريد مساعدة الفئات الهشة على مجابهة صعوبات الحياة من خلال برنامج تكافلي تضامني يقوي روح التضامن والوحدة بين التونسيين…نريد أن نؤسس لمفهوم جديد للفعل السياسي لا يقوم فقط على السعي للوصول للحكم وإنما على خدمة الصالح العام والمواطن من أي موقع…فكما قال الشاعر محمود درويش: لنا في أرضنا ما نعمل
هذا المشروع بإمكاننا أن نحققه بمساهمة كل تونسي يرغب في بناء تونس المستقبل، تونس التعايش السلمي، تونس المتضامنة، تونس المتصالحة مع ماضيها وحاضرها، تونس التي تسع كل التونسيين مهما اختلفت أفكارهم وتوجهاتهم…هذا المشروع بعيد كل البعد عن كل أشكال التنظم التقليدية، مشروع لا تؤثثه قيادات ومنخرطون وأعضاء وكتاب عامون، ليس فيه مقربون ومبعدون، موالون ومناوئون، محظوظون ومهمشون…مشروع كل فرد فيه قيادي وحامل لفكرة الإنقاذ والإصلاح… كل فرد بإمكانه أن يساهم في بناء تونس المستقبل، تونس الأمل، تونس التغيير
– محور مُجتمعي مواطني: وهو الذي يشكل أولى مراحل الإنقاذ. فمهما كانت درجة خيبة الظن والأمل، فإنه لا يجوز لأي غيور على هذا الوطن أن ينتحل صفة المتفرج أمام أوضاع أليمة تزداد كل يوم سوءا وتعقيدا…وماذا سنجني من نهاية الشعبوية إذا كان ثمن ذلك انهيارا شاملا ستعاني منه البلاد لأجيال؟ لن تُسَلِّمَ الشعبوية إذا سَلَّمَ الشعب. استقالة الشعب وتسليم نخبه هو أفضل هدية يمكن أن نقدمها للشعبوية، أما استنهاض الشعب والمساهمة في بناء « مجتمع الواجب » فهو أذان بزوال الشعبوية. وسيتم ذلك عبر التشجيع على المبادرات المواطنية الحرة التي تنفع البلاد والعباد وتكون خالية من أي توظيف سياسي أو أيديولوجي، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُصَنَّف ضمن سرديات « العمالة والخيانة والتآمر » التي دأبت الشعبوية على كيلها لكل من يخالفها الرأي (من ذلك على سبيل المثال لا الحصر: تحسين الخدمات الصحية في جهة معينة، ترميم وصيانة مؤسسات التربوية لا سيما في المناطق غير المحظوظة، توفير نقل للتلاميذ في أماكن نائية، مواساة ومرافقة عائلة أو عائلات منكوبة، حملات تحسيس في الملاعب ضد العنف، أو الحث على اعتماد السلوك الحضاري والمسؤول في الطريق، أو مقاومة ظاهرة الهرسلة في أماكن العمل، أو التنبيه إلى مخاطر الابتزاز والاتجار بالبشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أو المبادرة بتوفير مساعدات عينية لعائلات محتاجة…)
فردية كانت أو جماعية، موجهة للأشخاص أو الجماعات أو المؤسسات، مادية أو توعوية تحسيسية، ظرفية أو مستمرة في الزمن، في الداخل أو الخارج…هذه المبادرات التي يربط بينها خيط ناظم في شكل « علامة » تحمل اسم « وَاجِبْنَا » تهدف إلى
تحصين مناعات الشعب ضد الاستبداد والحكم المطلق، المساهمة الجمعية في التوقي من مخاطر الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الشامل، التكثيف من المناسبات التي تُوحّد التونسيين وتذكرهم بالمصير المشترك لا سيما عندما يتعلق الأمر بثوابت الوطن، إحداث وعي جمعي بأن البلاد تستحق الأفضل وأن الشعبوية ليست قدرا محتوما وأننا في مركب واحد إذا نجا نجونا جميعا. وسيتحقق ذلك حتما عندما ندرك جميعا أن الشعبوية هي انحراف عن فكرة الشعب، فتكثيف مثل هذه الأعمال المجتمعية والمواطنية من شأنه أن يرد للشعب كلمته ومبادرته…فكلما نطق الشعب سكتت الشعبوية
هذه التعهدات الثلاثة (القانونية الحقوقية والسياسية الاقتصادية والمجتمعية المواطنية) سنلتزم بها بحول الله إلى حين تحقيق هدف لن يستفيد منه شخص بعينه أو جماعة أو حزب أو جهة أو طرف خارجي، بل الشعب التونسي كافة، هدف يُوَحِّد ولا يُقَسِّم، يُبَشِّر ولا يُنَفِّر، يَبْني ولا يَهْدِم: ألا وهو تنظيم انتخابات حقيقية حرة ونزيهة وديمقراطية لا إقصاء فيها، يشارك فيها التونسيون بكثافة ويختارون فيها الأجدر بقيادة البلاد وتحقيق طموحات شعبنا في الأمن والاستقرار والرخاء
اليوم إنقاذ وغدا إصلاح، وربي يحفظ بلادنا
والله ولي التوفيق
سنوافيكم لاحقا بحول الله بأكثر تفاصيل حول المبادرات المواطنية ضمن الحملة المستمرة « واجبنا »، وتطور أشغال الفريق القانوني والإجراءات الأولى للفعل السياسي الاقتصادي في مداخلات خاصة بكل محور
منذر الزنايدي