في نهاية شهر أكتوبر (الوردي)، الشهر المخصص عالميا للتوعية بسرطان الثدي، أبلغت مواطنة تونسية وهي في منتهى الحنق عن عدم تمكنها من إجراء كشف في المستشفى الجهوي بالولاية التي تقطن بها لعدم وجود آلة مخصصة لذلك. وتركت صوتها الغاضب في برنامج (صندوق عجب) الذي تخصصه إذاعة موزاييك لاستقبال شكاوى المواطنين المتنوعة
منذ أربعين عاما عندما بدأت تنتشر عملية الكشف عن سرطان الثدي بالأشعة السينية أصبح شهر أكتوبر مخصصا سنويا للتوعية بهذا المرض الذي يعتبر ثاني أنواع السرطان الأكثر شيوعا في العالم، وعادة ما يطنب الأطباء أثناء حديثهم في وسائل الإعلام في إظهار سهولة الفحص والتركيز على أهمية العائق النفسي لدى النساء لكنهم لا يهتمون بالصعوبات المادية التي قد تعترضهن لا سيما في المستشفيات العمومية
وفي تدخل إذاعي مباشر (تحت عنوان حق الرد) لم ينكر المدير الجهوي للصحة ما قالته المرأة ولم يكذبها، وفسّر الأمر بأن المستشفى المقصود بصدد تهيئة المكان لاستقبال آلة ثانية، وهو ما أدى إلى توقيف الآلة الأولى عن العمل مؤقتا. وانتهت المقابلة الإذاعية بما يفهم منه لوم المرأة لأنها اتهمت المستشفى بالتقصير، بينما هو يعمل على تطوير خدماته! دون مناقشة هذا المسؤول الذي (تفضل بالرد) عن الحكمة من إيقاف جهاز يعمل لفترة غير محددة لأن الأشغال متى بدأت في أي مرفق عمومي لا يعلم إلا الله متى تنتهي! ومن المؤكد أن المرأة ما كانت لتلجأ إلى الإذاعة لولا أنها ترددت مرارا وتكرارا على المستشفى بلا جدوى
وهكذا عاد المسؤول إلى إدارته (فرحا مسرورا) ولم يجادله أحد في ما ذهب إليه من تبريرات غير مقنعة، لا سيما أن مجرد (تفضله بالرد) اعتبرته الصحفية حدثا سعيدا ويستحق كما كبيرا من البهجة والتبجيل والحال أن المنطق يفترض أن تسعى الإذاعة إلى الحصول على جواب مناسب عن كل سؤال يطرح في هذا البرنامج كما كانت تفعل كثير من الإذاعة العمومية في الأيام الخوالي
خلاصة القضية هنا أن الإصلاح في بلادنا ينبغي أن يستهدف عقل الإدارة ومنطق تفكيرها. وهذا أمر لا يتطلب تجهيزات أو معدات أو اعتمادات، بل يتطلب برنامج عمل على المدى المتوسط لجعل الإنسان محور عمل المرفق العمومي، المحور الذي تشتغل كل الدواليب من أجله، وفي سياق هذه المعادلة الجديدة وتجسيدا لمبدأ استمرارية الخدمة (عصفور في اليد أفضل من عشرة فوق الشجرة) سيكون عدم إيقاف الآلة الأولى ولو دقيقة واحدة إنجازا أهم بكثير من تركيز آلة ثانية. فهل هذا أمر مستحيل؟
عامر بوعزة