لماذا ينبغي أن نخاف من إيران؟

تناقلت جل وسائل الإعلام التونسية تصريحا لسفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية أدلى به إلى وكالة تونس إفريقيا للأنباء يقول فيه: (إن تونس وإيران تبحثان إمكانية تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة في أقرب الأوقات). الأمر الذي عزز في منصات التواصل الاجتماعي ولدى بعض أطياف المجتمع المدني حالة من الذعر والفزع كانت قد انطلقت مع بداية الأسبوع الثقافي الإيراني بتونس واختيار موضوع (مكانة المرأة في المجتمعات الحديثة) محورا لإحدى ندواته العلمية

يحتاج هذا الخبر بعض التوضيح، فمنذ عودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وطهران في 1990أنشئت لجنة مشتركة دائمة تنعقد سنويا بالتزامن مع منتدى لرجال الأعمال، وإلى غاية 2007 وقّع البلدان أكثر من ثلاثين مذكرة تفاهم للتعاون الاقتصادي والتجاري. وتعليقا على لقاء جمع العام الماضي سفير تونس الجديد في إيران مع رئيس منظمة التجارة كانت وكالة الأنباء الإيرانية أكثر دقة عندما تحدثت عن إعادة تنشيط اللجنة المشتركة وإحياء الاتفاقيات الموقعة بين البلدين والتي توقف تنفيذ بعضها منذ 10 سنوات

أين هو المشكل إذن؟

العلاقات الاقتصادية والثقافية لا تتطور إلا في ظل تقارب سياسي، فالعلاقات الراسخة والمتينة بين البلدين منذ الستينات لم تنقطع إلا بقيام الثورة الإسلامية في إيران والتي كانت لها حال قيامها ارتدادات عنيفة في مختلف الدول، ولم تكن هويتها المذهبية لتشكل آنذاك عائقا أمام التعاطف معها ونصرتها، بل شهدت العواصم العربية في نهاية السبعينات موضة إطلاق اللّحي على شاكلة الخميني وإقبالا من الشباب غير مسبوق على ارتياد المساجد استفادت منه الحركات الأصولية في مختلف الدول العربية ومنها تونس

أما عودة الروح لهذه العلاقات مطلع التسعينات فقد كانت بمقابل سياسي حيث بلغ الجفاء بين النظام الإيراني وحركة النهضة حد رفض طهران استقبال راشد الغنوشي ضمن وفد من الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين سنة 2007. وكان النظام التونسي يغض الطرف على أنشطة الجمعيات الشيعية، ويدعو محاضرين إيرانيين إلى (بيت الحكمة) حيث أشاد أحدهم في سنة 2002 بمناسبة شهر رمضان : بالمقاربة الإسلامية للرئيس زين العابدين بن علي

الإسلاميون في تونس هم أكثر الأطراف السياسية معارضة لأي علاقات مع إيران، لا فقط للاختلاف المذهبي، بل أيضا من باب (الثأر) وعدم القدرة على الانتصار لخيارات الدولة الوطنية أمام الارتباطات الإقليمية. ومن المفارقة أن تلتقي مصلحتهم هنا مع خصومهم من الحداثيين الذين يوحي فزعهم من الأسبوع الثقافي الإيراني بأن حداثة المجتمع التونسي أوهى من بيت العنكبوت! وأن حرية المرأة هشة إلى الحد الذي يجعل فرائصها ترتعد أمام مشهد امرأتين محجبتين من إيران. وهذا ما يفسر بوضوح لماذا يسعى نظام الرئيس قيس سعيد الآن إلى إعادة تنشيط العلاقات بين البلدين، فعلاوة على أنه يسعى إلى مناقضة كل خيارات (العشرية السوداء) لا يكترث كثيرا بالموقف الدولي من إيران

وعلى وجه العموم فإن حالة الفزع من إيران -وإن كانت مبالغا فيها قد يكون لها وجه إيجابي إذا ما اكتفت بتحذير النظام القائم من مغبة التنازل عن (الندية) التي تأسست عليها العلاقات التونسية الإيرانية. فالاستفادة من الآفاق التي تفتحها العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية دون تقديم أي تنازل يحتاج حنكة سياسية قد لا تكون متاحة في الظرف الراهن، وهذا هو الأمر الوحيد الذي قد يجعل الخوف مشروعا

بقلم عامر بوعزة